وجه المرشد الإيراني علي خامنئي تحذيرا شديد اللهجة، أمس، إلى مسؤولين كبار يقومون بـ«دور المعارضة» للنظام الإيراني، كما انتقد بشدة مواقف الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، واتهمه بنشر «سخافات» ضد أجهزة الدولة الإيرانية.

واختار المرشد الإيراني علي خامنئي الوقوف إلى جانب رئيس القضاء صادق لاريجاني في معركته الدائرة مع الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وشبه ضمنيا سلوك الأخير في مهاجمة أجهزة النظام بـ«طفل يمسك الحجارة ويضرب الزجاج» وتابع: «ليس فنا أن نهاجم هذا الجهاز وذاك الجهاز دون أي اعتبار». ومن دون التطرق إلى اسم أحمدي نجاد أضاف: «لا يمكن أن يكون شخص لفترة عقد المسؤول الأول في البلاد، لكن في العقد التالي يتحول إلى معارض» متهما إياه بنشر «السخافات» ضد أجهزة النظام، حسب ما نقلت عنه وكالات أنباء إيرانية.

ولم يفرق خامنئي في تحذيره بين مسؤولين سابقين وحاليين، وخاطب الفريقين بشكل مباشرة قائلا: «لا يحق لأحد بيده كل البلد أن يلعب دور المعارضة. يجب أن يكونوا في موقف المساءلة»، محذرا المسؤولين من «القيام بمهمة الأعداء» في الداخل الإيراني.

وإشارة خامنئي للمسؤولين الحاليين تعد تحذيرا ضمنيا إلى شخص الرئيس حسن روحاني الذي واجه اتهامات بتقمص دور المعارضة بينما يعد المسؤول التنفيذي الأول في البلاد. كانت أبرز تلك الاتهامات لروحاني وردت على لسان منافسيه في الانتخابات الرئاسية الماضية؛ المحافظين إبراهيم رئيسي وعمدة طهران السابق محمد باقر قاليباف.

في 28 من أبريل (نيسان) الماضي وخلال المناظرة التلفزيونية الثانية، اتهم إبراهيم رئيسي، منافسه حسن روحاني بتقمص دور المعارضة. في المكان نفسه عدّ رئيسي لعب دور المعارضة من الحكومات الإيرانية هروبا إلى الأمام خشية المساءلة. في 8 يوليو (تموز) الماضي، أي بعد أسابيع من فوز روحاني بالانتخابات الرئاسية، قال عمدة طهران السابق محمد باقر قاليباف، في تعليق على مواقف الرئيس الإيراني، إن الأزمة في إيران حديث كبار المسؤولين الإيرانيين عبر المنابر الرسمية في هيئة المعارضة.

ورأى خامنئي في الموجة الجديدة من الخلافات الداخلية التي تمثلت خلال الأيام القليلة الماضية في تلاسن حاد بين جماعة أحمدي نجاد والجهاز القضائي، أن غايتها «إحباط» الإيرانيين، خصوصا جيل الشباب. وقال في خطاب أمام حشد من المسؤولين في منظمة الدعاية الإيرانية إنهم «يقومون بعمل الأعداء لكي يصعدوا أو يهبطوا بفلان (تيار) أو فلان (شخص)» متهما المسؤولين الذين يقومون بدور المعارضة للنظام بالتسبب في «فرح الأعداء» الذين «يملكون آلاف المدفعيات لبث الأكاذيب بهدف سلب ثقة الإيرانيين بالنظام».

وتناقلت وسائل إعلام الحكومية خلال الأيام الماضية تفاصيل الحرب الكلامية بين المسؤولين الإيرانيين، خصوصا المواجهة بين أحمدي نجاد وكبار المسؤولين في السلطة القضائية.

ويأتي أحدث موقف من المرشد الإيراني عن الخلافات الداخلية، في وقت خيم فيه التلاسن بين الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد والسلطة القضائية على المشهد السياسي الإيراني وأصبح حديث الشارع بلا منازع.

وأعلن خامنئي عن رفضه، أمس، التحول إلى مجال لتبادل «الاتهامات والسخافات» بين كبار المسؤولين و«تكرار كلام الأعداء». كذلك حاول سحب بساط «الثورية» من تحت أقدام أحمدي نجاد عندما استشهد بموقف للخميني قال فيه إن «المعيار هو الوضع الراهن للأشخاص»، لافتا إلى الفرق بين الثورية والتظاهر بها.

وبعد انتهاء فترته الرئاسية، شهدت العلاقات بين خامنئي وأحمدي نجاد تراجعا. ومع فتح أبواب تسجيل المرشحين للانتخابات الرئاسية ضرب أحمدي نجاد توصية خامنئي بعدم ترشحه للانتخابات الرئاسية عرض الحائط، لكن لجنة صيانة الدستور استعبدته من سباق الانتخابات الرئاسية. في أغسطس (آب) الماضي، أنعش خامنئي آمال أحمدي نجاد في العودة إلى الساحة السياسية الإيرانية عندما أعاد انتخابه ضمن تشكيلة مجلس تشخيص مصلحة النظام، وذلك بعدما أقصى الرئيس المثير للجدل من الانتخابات.

ويعد خطاب خامنئي الأكثر حدة ضد أحمدي نجاد منذ صعوده في السياسة الإيرانية، خصوصا بعد تراجع دوره وتوجيه تهم بالتجاوزات الإدارية والفساد ضده وضد مساعديه.

وحظي أحمدي نجاد بدعم أكبر من المرشد الإيراني عندما كان رئيسا للجمهورية مقارنة بآخرين تقلدوا منصب رئيس الجمهورية. كما قام خامنئي بدور لافت في تولي أحمدي نجاد ولاية رئاسية ثانية. وعقب احتجاجات 2009 كانت مواقف خامنئي فصل الخطاب في دعم حكومة نجاد، وقال خلال إحدى خطب جمعة طهران إن هناك خلافات كبيرة بين المسؤولين الإيرانيين حول السياسة الخارجية والقضايا الاجتماعية والثقافية، «لكن رأي الرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) أقرب» إليه.

وخلال الأسبوعين الماضيين، هاجم أحمدي نجاد، رئيس القضاء بشدة وطالبه بتقديم استقالته لافتقاره إلى الشروط المطلوبة وفقدان الشرعية. جاء ذلك بعد فترة وجيزة من توجيه خطاب مفتوح إلى خامنئي يطالبه بإحالة ملفه القضائي وملف مقربين منه إلى الرئيس السابق للقضاء والرئيس الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام، محمود هاشمي شاهرودي.

يوم الاثنين الماضي نشر أحمدي نجاد بيانا يوضح فيه 29 إشكالا أساسيا في القضاء الإيراني؛ منها 19 تخص سلوك القضاء. واتهم أحمدي نجاد القضاء بالانحياز إلى تيارات بعينها بهدف التأثير على المعادلات السياسية.

ردا على ذلك، قال خامنئي أمس: «هؤلاء ليسوا متقين، لا تقوى لمن يقوم بعمل الأعداء في الداخل. هؤلاء دينهم مسيس، بدلا من أن تكون سياستهم دينية، التسيّس أصبح دينا لهم».

وأدى التلاسن بين الجانبين إلى تبادل التشكيك بالصحة العقلية، وكانت المبادرة من المتحدث باسم السلطة القضائية، غلام حسين محسني أجئي خلال مؤتمر صحافي الأحد الماضي، أثار فيه شكوكا حول الصحة العقلية لأحمدي نجاد، الذي شغل منصب رئيس الجمهورية في إيران بين عامي 2005 و2014. وفي المقابل، لم يتأخر الرد من الجماعة «النجادية»؛ إذ وصف مستشار نجاد الإعلامي، على أكبر جوانفكر، المسؤول القضائي بـ«ناقص العقل»، بينما شبه مساعده التنفيذي حميد بقائي، مساعد رئيس القضاء، بقائد الشرطة النازية، هاينريش هيلمر.

وقبل هجوم خامنئي كان خطيب جمعة طهران طالب الجمعة الماضي بتحكيم بين الجهاز القضائي وأحمدي نجاد. لكن المقترح اصطدم برفض المدعي العام حسين علي منتظري معلنا عدم تأثر القضاء بأي ضغوط في متابعة ملفات المسؤولين.

وقال أحمدي نجاد الاثنين الماضي مخاطبا كبار مسؤولي النظام: «أي شخص في موقع وأي منصب كان، إذا لم يُرِده الشعب، فهو غاصب... أي إجراء يقوم به فهو تجاوز. أي تصرف بأموال بيت المال، يجب أن يكون في موضع المساءلة».

ونهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال المدعي العام حسين علي منتظري مخاطبا أحمدي نجاد: «8 أعوام كانت إدارة البلد على عاتقك، والآن تحولت إلى معارض للجهاز القضائي... في فترة الرئاسية الثانية هذا الشخص ارتكب مجموعة من انتهاكات القوانين». ومع ذلك، حاول خامنئي أن يمسك العصا من الوسط وتقديم دوره القيادي عندما قال: «كل المديرين في الجمهورية الإيرانية من البداية وحتى اليوم، قدموا خدمات مهمة... وألحقوا أضرارا بالطبع... يجب أن نقدر خدمات المسؤولين في الحكومة والقضاء والبرلمان في أي فترة زمنية مهما كانت، كما يجب نقد الأضرار، لكن يجب أن يكون نقدا منصفا ومسؤولا، وليس عبر التهم».